(6)
من هو الكاتب؟
سؤال فجرته المقال السابق. وضح لي في النهاية أنني ألهث وراء المكتوب لأرى الكاتب. من الكاتب؟ لا يهمني المكتوب بقدر ما يعطيني علامات إرشادية في طريقي لمعرفة الكاتب.
الكاتب هو نفسه شخصية درامية في مسلسل الحياة هذه الذي لا ينتهي. الكاتب علامة. كود. دور. لهذا فالكاتب شخصية وليس شخصاُ عندما نرى الحياة رواية من أجزاء. ما يكتبه الكاتب هو شهادته في هذه الرواية. هو الدليل على أنه مر بهذه الرواية التي اسمها الحياة. المكتوب إذا ليس له أهمية إذا ما كان مفتاح للإرشاد على كاتبه. هناك روايات مملة نتركها من الصفحات الأولى ولا نعود لها أبداً لأنها ببساطة وكمفتاح يدل على كاتبها، ليست مفتاحا جيد الصنع. لم يصقله الكاتب بعد. لم يكن الكاتب بعد قد عرف في نفسه جوهرها، لم يكن قد استدل أولا على نفسه لكي يدلنا مكتوبه عليها. فإذا كان الله فعلا قد خلقنا على صورته. فعلى الرواية أن تكون صورة للكاتب. الرواية كلها، بكل شخصياتها واحداثها وتفاصيلها ومحنتها وكل حرف ومسافة ونقطة فيها. كلها بتكاملها صورة للكاتب. لما بلوره في نفسه قبل وفترة كتابتها. في كل شخصية من الشخصيات نتفة من الكاتب، كذلك في كل جملة حوار، وفي كل وصف لمشهد.
هناك خدعة نقوم بها حيال أنفسنا نحن الكتاب. إننا نزعم أننا نكتب للخارج. نكتب لنفهم العالم، لنغير العالم، لنعبر عن العالم.. أسباب واهية تجهل من العالم هو المرصود من قبل الكاتب وهو الهدف المراد الوصول إليه. هذه الخدعة نقوم بها أحياناً لا شعوريا. مثلما ينظر طفل في المرآة لأول مرة ويقول لأمه لقد وجدتُ طفلاً. ويصبح لمدة أيام هذا الطفل الذي في المرآة هو شغله الشاغل. إنه لا يعرف أن هذا العالم او هذا الطفل، سمه ما تشاء، هو صورة لشخصه هو. الطفل لا يعرف. لكن الطفل الذي بداخل كل كاتب يعرف تماماً لكنه يتلاعب ويهزأ بيقين ذلك ال"كبير" الذي ندعي أننا نكونه، ويغيب المعرفه عنه، ليرده إلى لحظة المرآة الأولى. ربما يتذكر أو يتعلم.
والدليل على ذلك هو إننا نقول أيضا أحياناً نحن الكتاب، أن العالم لا يفهمنا، أن العالم يقف منا موقف العدو. إنه يعاندنا أو يتجاهلنا، أو ببساطة يعاكسنا المسار. هنا يخرج الطفل الذي بداخلنا لسانه لنا "ككبار نتكلم عن العالم" بنفس الطريقة التي كنا بها صغارا نبرهن لأمهاتنا إن الذي في المرآة ليس نحن، لأننا عندما نحرك يدنا اليمنى، يحرك الطفل في المرآة يده اليسرى، لا يحرك اليد التي نحركها! إنه يقف منا موقف النقيض، موقف التضاد. إنه يعاكسنا.
هكذا فإننا صغارا او كبارا، نرفض النظر إلى أنفسنا باعتبارها كذلك، أنفسنا. نطمح إلى الوصول لها أو فهمها أو تغييرها، لكن باعتبارها ليست نحن. نراها تعاكسنا وتتضاد معنا باعتبارها ليست نحن. في كل الاحوال، نرفض في أن نرى في أنفسنا شيئاً سوى أنها آخر بعيد منفصل عنا نفعل له أشياء ويفعل لنا اشياء. وهكذا نصطلح لاشعورا لهذه الأنا اسم "العالم" فعندما نكتب لنمتع القارئ، فنحن بالضرورة نريد أن نمتع أنفسنا. وعندما يلفظنا العالم فإننا بالضرورة قد لفظنا أنفسنا واعتبرناها لا تستحق الاعتراف. فالعالم هو أنا. هذا هو الانعكاس في المرآة. وإن لم أكن أرى ذلك اولا باعتباره قاعدة أولية إلزامية فأنا بالضرورة سأكتب رواية رديئة. أو في أحسن الأحوال، سأكتب رواية لا يميزها شيء أصلي فيها عن سلسلة مكرورة من الروايات التابعة للمقاييس المتعارف عليها روائياً فحسب. وأنا ككاتبة لست هنا لأعيد خلق نفسي على شاكلة معايير الرواية، لكن لأجعل من رواية مخلوقا على صورة التي وصلتُ إليها عن نفسي منذ الميلاد إلى اللحظة التي خططتُ فيها أول حرف في العمل الروائي.
من هو الكاتب؟
سؤال فجرته المقال السابق. وضح لي في النهاية أنني ألهث وراء المكتوب لأرى الكاتب. من الكاتب؟ لا يهمني المكتوب بقدر ما يعطيني علامات إرشادية في طريقي لمعرفة الكاتب.
الكاتب هو نفسه شخصية درامية في مسلسل الحياة هذه الذي لا ينتهي. الكاتب علامة. كود. دور. لهذا فالكاتب شخصية وليس شخصاُ عندما نرى الحياة رواية من أجزاء. ما يكتبه الكاتب هو شهادته في هذه الرواية. هو الدليل على أنه مر بهذه الرواية التي اسمها الحياة. المكتوب إذا ليس له أهمية إذا ما كان مفتاح للإرشاد على كاتبه. هناك روايات مملة نتركها من الصفحات الأولى ولا نعود لها أبداً لأنها ببساطة وكمفتاح يدل على كاتبها، ليست مفتاحا جيد الصنع. لم يصقله الكاتب بعد. لم يكن الكاتب بعد قد عرف في نفسه جوهرها، لم يكن قد استدل أولا على نفسه لكي يدلنا مكتوبه عليها. فإذا كان الله فعلا قد خلقنا على صورته. فعلى الرواية أن تكون صورة للكاتب. الرواية كلها، بكل شخصياتها واحداثها وتفاصيلها ومحنتها وكل حرف ومسافة ونقطة فيها. كلها بتكاملها صورة للكاتب. لما بلوره في نفسه قبل وفترة كتابتها. في كل شخصية من الشخصيات نتفة من الكاتب، كذلك في كل جملة حوار، وفي كل وصف لمشهد.
هناك خدعة نقوم بها حيال أنفسنا نحن الكتاب. إننا نزعم أننا نكتب للخارج. نكتب لنفهم العالم، لنغير العالم، لنعبر عن العالم.. أسباب واهية تجهل من العالم هو المرصود من قبل الكاتب وهو الهدف المراد الوصول إليه. هذه الخدعة نقوم بها أحياناً لا شعوريا. مثلما ينظر طفل في المرآة لأول مرة ويقول لأمه لقد وجدتُ طفلاً. ويصبح لمدة أيام هذا الطفل الذي في المرآة هو شغله الشاغل. إنه لا يعرف أن هذا العالم او هذا الطفل، سمه ما تشاء، هو صورة لشخصه هو. الطفل لا يعرف. لكن الطفل الذي بداخل كل كاتب يعرف تماماً لكنه يتلاعب ويهزأ بيقين ذلك ال"كبير" الذي ندعي أننا نكونه، ويغيب المعرفه عنه، ليرده إلى لحظة المرآة الأولى. ربما يتذكر أو يتعلم.
والدليل على ذلك هو إننا نقول أيضا أحياناً نحن الكتاب، أن العالم لا يفهمنا، أن العالم يقف منا موقف العدو. إنه يعاندنا أو يتجاهلنا، أو ببساطة يعاكسنا المسار. هنا يخرج الطفل الذي بداخلنا لسانه لنا "ككبار نتكلم عن العالم" بنفس الطريقة التي كنا بها صغارا نبرهن لأمهاتنا إن الذي في المرآة ليس نحن، لأننا عندما نحرك يدنا اليمنى، يحرك الطفل في المرآة يده اليسرى، لا يحرك اليد التي نحركها! إنه يقف منا موقف النقيض، موقف التضاد. إنه يعاكسنا.
هكذا فإننا صغارا او كبارا، نرفض النظر إلى أنفسنا باعتبارها كذلك، أنفسنا. نطمح إلى الوصول لها أو فهمها أو تغييرها، لكن باعتبارها ليست نحن. نراها تعاكسنا وتتضاد معنا باعتبارها ليست نحن. في كل الاحوال، نرفض في أن نرى في أنفسنا شيئاً سوى أنها آخر بعيد منفصل عنا نفعل له أشياء ويفعل لنا اشياء. وهكذا نصطلح لاشعورا لهذه الأنا اسم "العالم" فعندما نكتب لنمتع القارئ، فنحن بالضرورة نريد أن نمتع أنفسنا. وعندما يلفظنا العالم فإننا بالضرورة قد لفظنا أنفسنا واعتبرناها لا تستحق الاعتراف. فالعالم هو أنا. هذا هو الانعكاس في المرآة. وإن لم أكن أرى ذلك اولا باعتباره قاعدة أولية إلزامية فأنا بالضرورة سأكتب رواية رديئة. أو في أحسن الأحوال، سأكتب رواية لا يميزها شيء أصلي فيها عن سلسلة مكرورة من الروايات التابعة للمقاييس المتعارف عليها روائياً فحسب. وأنا ككاتبة لست هنا لأعيد خلق نفسي على شاكلة معايير الرواية، لكن لأجعل من رواية مخلوقا على صورة التي وصلتُ إليها عن نفسي منذ الميلاد إلى اللحظة التي خططتُ فيها أول حرف في العمل الروائي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق