(7)
والآن أسأل نفسي، لماذا هذا الاهتمام المحموم بالرواية في اللحظة ذاتها التي أريد فيها أن أضغط على زر الحذف وأنهي الوجود الوحيد المتبقي الرقمياً لرواياتي غير المكتملة على هذا الجهاز؟ لماذا الآن شهرياري الداخلي يريد أن يقطع الشك باليقين، وشهرزادي تماطل وتكتب في مسألة الرواية؟ إجابة الوهلة الأولى: ببساطة لأنني إنسانة. لست ملاكا بما يكفي لعدم قتل الأوراق، ولست شيطانا بما يكفي لنسف آخر دليل على أني كتبت. آخر أمل، لا أعرف فيما... لستُ شيطانا بما يكفي لأقطع شعرة معاوية. ولست ملاكا بما يكفي لأبقيها مرخية. أنا إنسانة. شددتُ الشعرة وتركتها مشدودة. وأعرف أن الشعرة ذاتها تتألم. وتتمنى أن زيح عنها قبضتي أو أن أقطها لينتهي الألم. ذلك لأنها شعرة حية. كاللاتي في راسي.
أنظر إلى نفسي. لي عينان وأنف وفم وأسنان. لي يدان وأذنان وقدمان. اشبه كل الناس. بداخلي أمعاء وقلب ورئة وأعصاب وشرايين. مثل كل الناس. ومثلهم أيضا، تعرف هذه الأشياء التي لي كيف تعمل من تلقاء نفسها دون اي تدخل مني. وأتساءل. عندما أقص أظافري، كيف حدثت أصلا، وماذا سيحدث اللمقصوص بعد وضعه في سلة القمامة. كيف ستكون رحلته. المقصوص من الأظافر كيف يعبر عن رضاه أو سخطه حيال رحلته معي، ملتصقا بأصابعي، ورحلته بعدي، مقصوصا منها.. هذه الغصة التي أشعر بها بينما أتسال بالفعل. وبمنتى الجدية. بدون سخرية وبكثير من الاهتمام.. هل هذا أيضا ما يشعر به ويتساءل عنه كاتب الرواية بعد طبعها؟
ابنتي عندما تكبر وتستقل بحياتها بعيدا عن البيت يمكنها أن تقابلني أحيانا وحكي لي قصاصات من حياتها. لكن اظفري المقصوص لن يتمكن من ذلك بعد أن يخرج من حياتي. لهذا أن أريد الآن أصفع كل من يقول إن أعماله الأدبية كأبنائه. لا. إنهم ليسوا كابنائي. إنكم كإظفري. قطعة مني. كانت حية معي. وليست حياة أخرى، حدثت من خلالي. هذا الظفر الذي أقصه الآن وأقصه بشكل دوري واعتيادي جدا، كان يحكي لي عن نفسه بزرقته عن ألم انحشاره في وربة الباب، وكان يحكي لي عني، ببقعة بيضاء صغيرة يظهرها لي كعلامة عن احياجي للفيتامين، كان يعبأ بي، ويتأثر بحالي، هذا الاظفر كان لينحني ويتشقق ضعفا لأجلي إذا لم أهتم بتناول منتجات الالبان. إنه إظفري كيف يشب ليخرج من لحمي، كيف أمكنه، وكيف أمكنني أنا أن أقصه هكذا؟!! وهكذا تنتهي علاقتنا. حياته تصير غيباً بالنسبة لي. هذه هي علاقتي بما أكتبه.ٍ عندما أقصه من لحمي وأتركه للنشر، فهو لن يتمكن من العودة إلي مرة أخرى. لن يحكي لي عن حياته بعد النشر. لن يحكي لي عن حياتي بعد نشره. وإن جاء قارئ لحدثني عما كتبت، فتكون هذه رؤية القارئ. وليست رؤية المكتوب. الذي أحبه. وأنفصل عنه نهائيا. لأنه هكذا، ينبغي أن ننفصل نهائيا في الوقت المناسب، عما نحب، حتى وإن كان جزءا منا. وهذه يؤلمني. مزقت الأوراق وحرقتها في لحظات ثائرة على هذا الوضع الذي لا فرار منه. ثرتُ لنا هي وأنا، عليها. كبطل في أحدى المسرحيات اليونانية. البطل الثوري الذي يثور على القدر ويسخر من إرادة الآلهة. والذي بالضرورة يكون هو، هو وحده، من تختاره الآلهة لينجز مهمتها. لأنه متمرد بما فيه الكفاية كإله خالق، وأحمق بما فيه الكفاية، كمخلوق.
لكن هناك أمور ممتعة أيضاً في كون الواحد إنسانا. مثلا أنه يمكنه تأمل خلايا جلده. واعتبار كل خلية منها بدورانها وحركاتها حول مركزها مجموعة شمسية كاملة. إذا نظرتُ لكل خلايا جسمي الداخلية والخارجية بهذه الطريقة، فكم مجموعة شمسية تكون؟ وكم من الأراضين عليها؟ وكم من الحيوات على تلك الأراضين هي روايات أخرى تكتب نفسها افتراضيا، حتى وأنا نائمة، وتترك لأصابعي وحدها، ذات الأظافر المقصوصة، أن تخرج تلك الحيوات وتؤرخ لها في وجود إسمه أنا، يمكنه أن يمسك بالأقلام والورق، أو ينقر على لوحة المفاتيح أشياء طلسمية اصطلحوا عليها بالحروف والكلمات، واخترعوا لها معانٍ ودلالات. التأريخ لما لا يؤرَخ له تاريخيا. هذا وحده سبب أكثر من كاف لكتابة رواية ولتلمس إظفر ومحبته حتى وإن كنت سأضطر فيما بعد أن اقطعه.
السبت، 30 يناير 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق